1) مفهوم الغلو والتطرف:
ـ التطرّف في اللغة: الوقوف في الطرف، بعيداً عن الوسط.
ـ و التطرّف في الاصطلاح: التعصّب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر، والتزام التشدّد مع قيام موجبات التيسير.
والغلو: التعمّق وتجاوز الحدود في الأقوال والأفعال.
2) النصوص التي تنهى عن التطرّف:
ـ قال الله تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ، وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ ضَّلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) سورة المائدة الآية 77.
ـ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) رواه مسلم.
ـ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( هلك المتنطّعون ) قالها ثلاثا، رواه مسلم. قال الإمام النووي: المتنطّعون هم المتعمّقون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
ـ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدّد عليكم فإن قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدّد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والدّيار ( رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس بن مالك.
3) مظاهر التطرّف والغلو:
ـ الغلظة والخشونة: الغلظة في التعامل والخشونة في الأسلوب والفظاظة في الدعوة يخالف هدي الإسلام الذي دعا إلى استعمال الحكمة في المخاطبة والموعظة الحسنة في المجادلة، فقال الله تعالى: ( اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ ) سورة النحل الآية 125.
ـ اتهام الناس بالخروج عن الإسلام: قد يبلغ التطرف بصاحبه إلى غايته، فيدفعه إلى احتقار أعمال الناس وعباداتهم والازدراء واتهامهم في عقيدتهم، فيستبيح دماءهم وأموالهم، بعد إخراجهم من الملّة بتكفيرهم. ولأجل ذلك قال الله تعالى: ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللهُ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقَى ) سورة النجم الآية 32.
4) مخاطر التطرّف والغلو:
ـ التطرّف لا تحتمله طبيعة البشر التي فطرها الله على اليسر. فالإنسان خُلق ضعيفاً وطاقته محدودة لا يتحمّل المشقّة والعسر في جميع الأمور. فإن صبر يوماً فسرعان ما يكلّ، ويسأم ويدع العمل، ويسلك طريقاً آخر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملّوا وإن أحبّ الأعمال إلى الله أدومه وإن قلّ ) رواه البخاري ومسلم.
ـ نفور الناس من المتطرّف، لأنّ المتطرّف يؤذي الناس بسلوكه، وهو يعتقد أنّه يحسن صنعا. فقد نبّه الله رسوله إلى تجنّب مثل هذا السلوك فقال: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لَاِنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) سورة آل عمران الآية 159.
ـ سوء الظن بالناس، فالتطرّف إذا تجاوز الحد الأدنى صار صاحبه ينظر إلى الآخرين من خلال منظار أسود، لا يرى حسناتهم، وإنما ينظر فقط لسيئاتهم ويضخمها، فيفسد بذلك طبعة وتخبث نيته، فيصير فردا فاسدا في المجتمع، لا يرى منه الناس إلى الاعتداء والانحراف.
5) أسباب التطرف والغلو:
مما لا يشك فيه إنسان أن سبب التطرف ليس واحداً وإنما أسبابه متعدّدة ومتنوّعة، نستطيع تسليط الضوء على بعضها فيما يلي:
ـ ضعف المعرفة بالتاريخ والواقع وسنن الكون الحياة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدّد عليكم فإن قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدّد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار ( رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس بن مالك.
ـ الإسراف في التحريم: قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تَحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمُ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمِنُونَ ) سورة المائدة الآية 87/88.
ـ الاشتغال بالفروع عن الأصول: من أهمّ أسباب التطرّف الاشتغال بالمسائل الجزئية والأمور الفرعية، عن القضايا الكبرى التي تتعلّق بمصير الأمّة وهويتها ومصيرها، ولأجل ذلك حرّم الإسلام الجدال العقيم الذي لا ينتج نفعاً للأمّة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما ضّل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
ـ الاتجاه الظاهري في فهم النصوص: من المعلوم أنّ للنصوص الشرعية معنىً ظاهراً، ومعنىً خفياً يحتاج إلى وعي أكثر وعلم أكبر. فالتفسير الظاهر للنصوص لا يكفي لاستنباط الأحكام الشرعية، وإنما لا بد من دراسة مقاصد الشريعة وفهم غاياتها، والتعمّق في معرفة أسرارها، وذلك هو العلم الذي دعا الرسولُ صلى الله عليه وسلم اللهَ أن يرزقه ابن عباس فقال: ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ).
ـ قلّة العلم، وضعف المعرفة: لأنّ أحكام الإسلام مبنيّة على أساس محكم، يحتاج الإنسان لفهمها إلى علوم كثيرة تسمّى بعلوم الشريعة.
6) علاج التطرّف والغلو:
ـ الأخذ من أهل العلم والورع والاعتدال: لقد علمنا القرآن أنّ نرجع إلى العالمين أهل الذكر والخبرة فقال الله تعالى: ( فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) سورة الأنبياء الآية 7.
ـ التيسير على النفس وعلى الناس وتجنّب التعسير: قال الله تعالى: ( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الاِنْسَانُ ضَعِيفاً ) سورة النساء الآية 28. وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما ) متفق عليه. قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا من الماء .. فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه البخاري.
ـ تقدير ظروف الناس وأعذارهم: من أخلاق الإسلام التي دعا إليها تقدير مستويات الناس وظروفهم وأعذارهم. من الخطأ أن نطالب عموم الناس أن يكونوا مثل عمر بن الخطاب أو خلد بن الوليد رضي الله عنهما، فهذه المنزلة لا يقدر عليها إلا أولوا العزم وقليل ما هم.
ـ مراعاة سنة التدرج: أن التدرّج سنّة كونية وسنّة شرعية أيضاً، فالله تعالى خلق السماوات والأرض في ستّة أيام وهو القادر على أن يقول للشيء كن فيكون، وخلق الإنسان والحيوان وغيرهما على مراحل .. وكذلك التشريع، وفي هذا المعنى تقول عائشة رضي الله عنها: (إنما أنزل ما نزل من القرآن سورة فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر ولا تزنوا، لقالوا: لا ندع الخمر ولا الزنى أبدا ) رواه البخاري.
ـ معرفة علم الأولويات والموازنات: يجب أن يعلم المسلم قِيَم الأعمال ومراتبها، فالأحكام الشرعية ليست في مرتبة واحدة، بل فيها الأوامر والنواهي، والأمر منه ما هو فرض وواجب وما هو مستحب ومندوب. والنهي منه ما هو حرام وما هو مكره. وبين الأمر والنهي التخيير الذي يسمّى المباح، وهذه المراتب أقسام للحكم التكليفي، وللحكم الوضعي أقسام كالعزيمة والرخصة، والشرط والسبب والمانع.