ما الفرق بين قول الله تعالى على لسان عيسى ( والسلام علي ) و قوله على لسان يحيى بن زكريا ( وسلام عليه)؟
قال الله تعالى ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا )
وقال تعالى ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا )
وقد أبان العلامة ابن القيم عن اللطيفة في ذلك فبين رحمه الله أن إضافة الألف واللام ل(سلام ) تكون لأربع فوائد:
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/633) :" وهو أن الألف واللام إذا دخلت على اسم السلام تضمنت أربع فوائد
إحداها:الإشعار بذكر الله تعالى لأن السلام المعرف من أسمائه كما تقدم تقريره
الفائدة الثانية :إشعارها بطلب معنى السلامة منه للمسلم عليه لأنك متى ذكرت اسما من أسمائه فقد تعرضت به وتوسلت به إلى تحصيل المعنى الذي اشتق منه ذلك الإسم
الفائدة الثالثة : إن الألف واللام يلحقها معنى العموم في مصحوبها والشمول فيه في بعض المواضع
الفائدة الرابعة: أنها تقوم مقام الإشارة إلى المعين كما تقول ناولني الكتاب واسقني الماء واعطني الثوب لما هو حاضر بين يديك فإنك تستغني بها عن قولك هذا فهي مؤدية معنى الإشارة "
وهذه الفوائد الأربع خاصة بتسليم العبد أما تسليم الله عز وجل فهو مستغن عن هذه الأربع
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/650) :" ونزيد هنا فائدة أخرى وهي أنه قد تقدم أن في دخول اللام في السلام أربع فوائد و هذا المقام مستغن عنها لأن المتكلم بالسلام هو الله تعالى فلم يقصد تبركا بذكر الإسم كما يقصد العبد فإن التبرك استدعاء البركة واستجلابها والعبد هو الذي يقصد ذلك ولا قصد أيضا تعرضا وطلبا على ما يقصده العبد ولا قصد العموم وهو أيضا غير لائق هنا لأن سلاما منه سبحانه كاف من كل سلام ومغن عن كل تحية ومقرب من كل أمنية فأدنى سلام منه ولا أدنى هناك يستغرق الوصف ويتم النعمة ويدفع البؤس ويطيب الحياة ويقطع مواد العطب والهلاك فلم يكن لذكر الألف واللام هناك معنى"
إذا فهمت هذا فقوله تعالى ( وسلام عليه ) في يحيى جاءت بدون ألف ولام لأن الله عز وجل هو المتكلم فالمقام مستغني عن التبرك باسم الله عز وجل ( السلام ) ، والله عز وجل يخبر ، والعبد يدعو ويطلب
وأما قوله ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ) فالألف واللام دخلت ، لأن المتكلم هنا هو عيسى فيقصد التبرك باسم الله والدعاء وغيرها من الفوائد التي ذكرها ابن القيم.